صرخة افتتاح السفارة الإسرائيلية

[شغّل الفيديو، وبعد الانتهاء منه شغّل التسجيل الصوتي، ثم شغّلهما معا بشكل متزامن تماما إلى النهاية. ويمكنك أيضا الاطلاع على تفريغ للتسجيل الصوتي أدناه.]

يوم افتتاح السفارة الاسرائيلية في القاهرة أنا كنت طالبة بالجامعة ووو وكنا مروحين على البيت وواقفين على الشباك عشان إحنا بنسكن في عمارة… بيت الطالبات مكون من تلات طوابق والسفارة افتتحت في فيللا من طابق واحد بالضبط جنب ال بيت الطالبات واحنا متل كل الناس وقفنا نتفرج على الافتتاح ووو طبعا ألم شديد فَ ابتدا ال… طبعا الصحفيين وكل الناس واقفين وابتدا العلم الاسرائيلي يرتفع آآآ فاحنا ما اتحملنا المنظر وكلنا… كان بيت طالبات عربيات يعني يعني سودانية فلسطينية سورية أردنية كل الجنسيات العربية… فكنا واقفين على الشباك ولما ابتدا العلم الاسرائيلي يرتفع آآمم ما ما قدرنا نتحمل المنظر هذا وكلنا بدون ترتيب وبدون تخطيط صرخنا وكأن واحد مات يا لهوي يا ولدي مش عارف شو فكل الكاميرات اتجهت على الشباك… بيت الطالبات وصورتنا وطبعا طلعولنا المصريين آآآ الشرطة المخابرات يمكن ما باعرف وبهدلونا وهيكه. المهم يعني باختصار أظن ‘نه ضوّعنا عليهم اللحظة وهاي كانت ردة الفعل الوحيدة لافتتاح السفارة يعني بس فعلا الشيء اللي كان غريب إنه ما اتفقنا وفجأة شعورنا كان عربي واحد كله موحد ما قدرناش نتحمل إنه يرتفع علم إسرائيلي في سماء القاهرة اللي بنحبها. تحياتي.

«متسللون» (خالد جرار، ٢٠١٢): المدينة كسجن والمستعمرة كحديقة حيوان

كشخص لم يطأ الأرض خارج بلد ميلاده أصبح فيلم بونيويل لعنة محلقة فوقي. ففي «الملاك الهالك»، يُحبس رجال ونساء بورجوازيون داخل منزل مضيفهم بعد حفلة. الأسباب في الفيلم سوريالية وربما رمزية لو قبل بونيويل فك رموزه. أما حالتي فلا هي سوريالية ولا أنا هؤلاء البورجوازيين.

كانت إجابتي التقليدية على سؤال لِم لَم أسافر هي تارة عدم امتلاكي كلفة السفر، وتارة علاقتي المرتبكة والمبتورة بالمؤسسات التي انتميت إليها والتي لم تسمح أبدا بالوصول إلى نقطة تسفيري على غرار الآخرين. بعد الثورة وعيت فجأة على النقص الفادح في هذه الإجابة. إننا لا نسافر أو لا نسافر كما نريد لأن حريتنا في التنقل مقيدة. أصبح هذا طبيعيا بحيث لم نعد نرى فيه حرية مسلوبة. نتحدث عنه فقط في حالة حظر تجول أو احتلال.

في الماضي سافر الفقراء قبل الأغنياء. لهذا قالوا إن “أرض الله واسعة.” و”الرجل تدب مطرح ما تحب.” و”مطرح ما ترسي دق لها.” السفر الآن ميزة. العالم يغلَق. لكن الأيدي لا تتوقف عن الدق. “لماذا لم يدقوا جدار الخزان؟” إنهم يدقون الآن فماذا حدث؟ في فيلم نرويجي عن الهجرة غير الشرعية وجرائم الشرف يتسلل مراهق كردي في خزان نفط أيضا، لكنه يصل لأن فن الهروب تطور كثيرا.

في المدينة-الدولة أثينا، عاش المواطنون رفاهية مادية وفكرية وسياسية على حساب المستعمرات والعبيد على الهوامش. الضفة الغربية الفلسطينية هي المدينة العكس. المدينة اللادولة للعبيد المستغنى عن خدماتهم. حيث تتقاطع في أذهاننا مشاهد عبور الطريق السريع وجدار العزل مع قوارب المهاجرين غير الشرعيين الغارقة والتائهة والمتربص بها، والمرعبة في كل الأحوال. تتقاطع المدينة مع صورة السجن وخط الموت حوله، الذي أصبح اسمه مصطلحا لمواعيد تسليم العمل النهائي – ديدلاين.

هل العالم يغلي لأننا لم نعد نقبل أو نملك تحمل هذه الحدود؟ من رسمها ورسم علاقاتها؟ بالتأكيد ليس نحن. كيف نحاصر حصارنا؟

في عالم تتمرد على سكانه الطبيعة، يتماهى السكان مع الحيوانات. يطفرون مثلهم حول الأسوار. كما في  «يد إلهية»، حيث يعرف السجين مغمضا أرضه أكثر من الضابط الإسرائيلي – مهما بدا ذلك كليشيهيا إلى حد مضحك أو متغافلا عن حقيقة أن سلطة الاحتلال تملك آلة معرفتها الخاصة الاستعمارية – تعرف هذه الكائنات أرضها كِعَرس الليل، لتخرج من مخابئها وأقفاصها. الشيء الغريزي الحسي الذي تصدره تجربة التسلل الخطرة يقاوم المعنى المهين المتمثل في الحَيْوَنة.

[كتب هذا النص في الأصل ضمن أنشطة ورشة كراسات السيماتيك، دورة بإشراف ريما مسمار.]

تحديث:

IMG_20160528_103011
أوسلو، مايو ٢٠١٦: خطوة صغيرة للإنسانية، خطوة كبيرة لإنسان.