هذا هو ما يحدث في قصة قصيرة لبورخس: يزور مرشح في الانتخابات بيتا من بيوت الأهالي ضمن حملة طرق أبواب، تستقبله الأسرة المكونة من ثلاثة أجيال، وخلال وقت الزيارة تظل الجدة الطاعنة في السن حاضرة بأعينها وحواسها وسمعها الواهن ووعيها المشوش، وهذه العجوز هي من يعطي الزيارة معنى خاصا للمرشح كذلك، دونما اهتمام منه بمدى إدراكها لكل ذلك أو مباركتها الحقيقية، فهي أكبر الناخبين في الدائرة سنا. بعد مغادرة الوفد وبعض من تجمعوا للمشاركة والمشاهدة، تموت المرأة التي مرت خلال كل ذلك، وفي صمت ورعب لم تفصح عنه سوى عيناها، باضطراب عنيف وصدمة نفسية لم يدرِ بها أحد الموجودين. كان ما وصل إلى إدراك المرأة أن بلطجي المنطقة القديم، من أيام شبابها الأول، قد وصل أخيرا إليهم بعد تهديد طويل دفع أسرتها آنذاك إلى الاختفاء، وأنهم الآن هالكون بأبشع الطرق لا محالة. لا يعلم بكل ما حدث داخلها في هذه الدقائق إلا الراوي العليم والقارئ.
***
تجتمع امرأة ما برجل ما، في لحظة ما من تاريخ اجتماعهما، ويحدث شيء ما، ويكون شبح من نوع كهذا حاضرا. ويحضر شبح آخر بين كل أسود وأبيض. بين كل كادح وشخص من طبقة أرقى، بين كل محروم من المزايا ومتمتع بها وريث لها. يبعث هذا الشبح ذبذبات متفاوتة الحضور والقوة والتفاعل والتأثير من الخوف أو الحقد أو الكرب أو المرارة أو الغضب أو الارتباك أو ‘الذكرى’ السيئة. وما اجتمع رجل بامرأة، ولا رجل برجل، ولا امرأة بامرأة، ولا إنسان بآخر، إلا وهذا الشبح ثالثهما.
***
شبح البلطجي ليس شبحا صرفا. إن البلطجي حاضر بالفعل أيضا، وليس فقط من خلال ذكراه الأليمة. وهذا الآخر يحتمل أن يكون ملبوسا حقا بالبلطجي، وأن يعود البلطجي إلى أفعاله المعروفة من خلاله، أو أن يكتفي، وهذا هو الأغلب، بأن يكون للنهاية ثالثهما، محدثا أشكالا أعقد من العنف والارتباك وعدم الراحة و، في كل الأحوال، عدم تحقق السلام.
***
اللقاءات الطيبة والجيدة والسعيدة هي استثناء، ونتيجة جهد يكاد لا يرى ولا يلقى التقدير الكافي حتى من صانعيه؛ جهد يطرد الأشباح، مؤقتا، إن لم يكن بشكل مختزل ومعيب، وبالطبع ناقص وهش، يهدد بحضورها الأعنف لاحقا.
***
كل الموتى المظلومين، بما في ذلك المجرمين الكبار الذين تحملوا بمفردهم نصيبا غير منصف من وزر الجريمة، عليهم أن يعودوا لإنهاء الظلم. أن يتكلموا أخيرا، وأن نرى قصتهم، قصتنا، في اكتمالها. ولن تكون هناك ذاكرة أفضل من أخرى. ولن يكون هناك مثقال ذرة من ظلم يمكن إهماله. كل الأشباح التي بيننا، والحية فينا، يجب الإعلان عن حضورها، وحصرها في تعداد السكان، قبل عقد محكمة أرضية كلنا قضاتها يشمل حكمها النهائي قتل جميع الأشباح قتلا رحيما بها وبنا.
***
كل لحظة تمر على الواعين بوجود الأشباح دون أن يكون في فعلهم وقولهم وسكونهم وحركتهم وصمتهم ما يؤدي أو يظنون أنه يؤدي إلى هذا العدل وهذا السلام هو عرقلة للعدالة وتواطؤ مع قوى الحرب وخيانة للذات وهروب من السعادة وخوف من الحرية.